تقليل انبعاثات الكربون ينقذ حياة 153 مليون إنسان
18/04/2018
حثت اتفاقية باريس للمناخ الدول الموقعة عليها بالعمل على خفض معدلات الانبعاثات...

حثت اتفاقية باريس للمناخ الدول الموقعة عليها بالعمل على خفض معدلات الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري؛ حتى يمكن خفض درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض بمقدار ١.٥ درجة مئوية. تنص الاتفاقية التي أُبرمت في عام ٢٠١٥، على هامش القمة الحادية والعشرين للمناخ، في العاصمة الفرنسية (باريس) على التزام جميع الدول، البالغ إجمالي أعدادها ١٩٥ دولة، بمحاربة الأسباب المؤدية لتغيُّر المناخ.

ووفق دراسة حديثة أعدها باحثون من جامعة "ديوك" الأمريكية، ونُشرت في دورية "نيتشر كلايمت تشينج" فإنه يمكن إنقاذ حياة قرابة ١٥٣ مليون إنسان قد يتعرضون لخطر الوفاة المبكرة خلال هذا القرن، في حال سرَّعت الحكومات من إجراءاتها لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يعني تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضارة.

تُعَد الدراسة هي الأولى من نوعها التي تقدِّر أعداد البشر الذين يمكن إنقاذهم من خطر الوفاة المبكرة بسبب تلوث الهواء بغازات الدفيئة.

أُجريت الدراسة على ١٥٤ مدينةً في عدد من الدول التي وقعت على اتفاقية باريس للمناخ، ووافقت على اتخاذ إجراءات لتقليل انبعاثات الكربون بغرض تقليل الارتفاع العالمي في درجة الحرارة بمقدار ١.٥ درجة مئوية.

وتشمل غازات الدفيئة -أو كما يُطلق عليها غازات الصوبة الخضراء- غازات ثاني أكسيد الكربون، والميثان، والأوزون، والكلوروفلوركربون. وتعمل هذه المجموعة من الغازات على امتصاص الأشعة التي تفقدها الأرض (الأشعة تحت الحمراء)، ما يقلِّل من قدرة الأرض على فقد الحرارة في الفضاء، وهو ما يساعد على تسخين الغلاف الجوي للأرض.

مدائن الخطر

يقول "درو شيندل" -أستاذ علوم الأرض بجامعة ديوك الأمريكية، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": "إن اعتماد دول العالم أساليب منخفضة التكلفة لتقليل الانبعاثات الخطرة، مقدمة المنفعة العاجلة لخفض تكلفة تحويل قطاع الطاقة إلى إنقاذ حياة قرابة ١٥٠ مليون إنسان".

ويضيف شيندل أن أكثر الدول تأثرًا بالتلوث الناتج عن غازات الدفيئة هي الهند، وباكستان، وبنجلاديش، ونيجيريا، وإندونيسيا، كما تُعَد العاصمة المصرية (القاهرة)، إحدى أكثر مدن العالم تضرُّرًا بحوالي مليون إنسان يتهددهم خطر الوفاة المبكرة، من جَرَّاء تلوُّث الهواء.

ووفق الدراسة فإن معدلات الوفاة المبكرة ستشهد انخفاضًا كبيرًا في حال الالتزام بخفض انبعاثات الكربون، ويُتوقع أن تتضح ثمار هذه الخطوة أكثر في قارتي آسيا وأفريقيا، حيث أعلى معدلات تلوث للهواء.

وتتصدر مدينتا كولكاتا ودلهي، الهنديتين قائمة المدن التي تستفيد من تخفيضات الانبعاثات المتسارعة في إنقاذ حياة ما يصل إلى 4.4 ملايين شخص، وما يصل إلى 4 ملايين، على التوالي.

ويمكن أن تتجنب 13 مدينة آسيوية أو أفريقية أخرى أكثر من مليون حالة وفاة مبكرة في كلٍّ منها، وحوالي 80 مدينة إضافية يمكن أن تتفادى كلٌّ منها على الأقل 100000 حالة وفاة.

كما يمكن لما يقرب من 50 منطقة حضرية في قارات أخرى أن تشهد مكاسب كبيرة في أعداد الأرواح المنقذة، مع وجود ست مدن، هي: موسكو ومكسيكو سيتي وساو باولو ولوس أنجلوس وبويبلا ونيويورك -يحتمل أن تتجنب ما بين 320 و 120 ألف حالة وفاة مبكرة لكلٍّ منها.

"تتأثر حياة الإنسان سلبيًّا بسبب الجسيمات الصغيرة من الملوِّثات وغاز الأوزون، التي تتكون بسبب المركبات التي تنبعث مع ثاني أكسيد الكربون في أثناء عملية الاحتراق" يقول المؤلف الرئيسي للدراسة في تصريحات لـ"للعلم". ويضيف: "ويعني الحد من الاحترار العالمي الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تحسين جودة الهواء".

يشير تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية في نهاية عام ٢٠١٦، إلى أن نسبة ٩٢% من سكان العالم يعيشون في مناطق تتجاوز فيها مستويات نوعية الهواء متوسط القيم المسموح بها سنويًّا بالنسبة لجسيمات المواد في المبادئ التوجيهية للمنظمة بشأن نوعية الهواء المحيط، والمحدّد قطرها بأقل من ٢.٥ ميكرومتر.

وتضم هذه المواد البالغ قطرها ٢.٥ ميكرومتر ملوِّثات، مثل الكبريتات والنترات والكربون الأسود، التي تتغلغل في أعماق الرئتين والقلب والأوعية الدموية، وتشكل المخاطر الكبيرة المهددة لصحة الإنسان.

محاكاة حاسوبية

أجرى الباحثون محاكاة حاسوبية لتوقُّع معدلات انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والمواد الأخرى المصاحبة له كغاز الأوزون.

وافترضت الدراسة ثلاثة سيناريوهات مستقبلية، حسب على أساسها الباحثون التأثيرات الصحية الناتجة عن التعرُّض للملوِّثات وفق كل سيناريو في جميع أنحاء العالم، خاصةً في المدن الكبرى، باستخدام نماذج وبائية تستند إلى بيانات الصحة العامة حول الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء على مدار عقود من الزمن.

ففي السيناريو الأول أجرى الباحثون محاكاة لتأثيرات تسريع عملية الحد من انبعاثات الكربون واختفاء الانبعاثات الضارة تقريبًا خلال ما تبقى من القرن الحادي والعشرين.

أما السيناريو الثاني فيقوم على محاكاة تأثيرات السماح بنسبة أعلى قليلًا من انبعاثات الكربون على المدى القريب، بالتزامن مع حدوث انخفاضات كافية للحد من الاحترار العالمي بمقدار درجتين مئويتين بحلول نهاية هذا القرن.

ويحاكي السيناريو الثالث تأثيرات اتباع نهج أكثر تسارعًا، بحيث تنخفض الانبعاثات على المدى القريب إلى مستوى يَحدُّ من مستويات ارتفاع درجة الحرارة في الغلاف الجوي بمقدار ١.٥ درجة مئوية.

ويوضح شيندل في تصريحاته لـ"للعلم" أنه بات بإمكان العلم تقدير عدد الوفيات المبكرة المتوقعة في كل مدينة في حالة كل سيناريو من السيناريوهات الثلاثة، خاصةً مع تزايُد المعرفة والبيانات حول تلوُّث الهواء.

ويضيف: "ما زلت أُجري دراسات على هذا الموضوع من حيث المشكلات والحلول. وتُعد مصادر الطاقة المتجددة حلًّا مناسبًا جدًّا، إضافة إلى انخفاض تكلفتها".

بدائل أنظف

يصف "جويري روجيلج"، الأستاذ بمعهد دراسات المناخ والغلاف الجوي بجامعة زيورخ السويسرية، الدراسةَ بأنها "جديرة بالاهتمام". ويقول في تصريحات لـ"للعلم": "إنه من الضروي خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر، وهناك العديد من الطرق لتحقيق هذا الهدف".

إحدى أهم هذه الطرق، وفق جويري، هي إحلال بدائل أنظف -مثل الطاقة المتجددة- محل البنية التحتية التي تسبب الانبعاثات، مثل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، أو الجمع بينهما وفق ما يسمى بتكنولوجيات الانبعاثات السلبية.

ويوضح أنه "في أثناء التشغيل تعمل هذه التقنيات على إزالة ثاني أكسيد الكربون من الجو". ويستدرك: "غير أن العديد من هذه التقنيات تعرَّض لانتقادات؛ لأنها غير متوافرة على نطاق واسع حتى الآن، كما أنها تتطلب مساحات واسعة من الأرض، وتقلل الحاجة إلى استبدال البنية التحتية التي تنبعث منها ثاني أكسيد الكربون بقوة، ولا سيما على المدى القريب".

"تستكشف هذه الدراسة عيبًا آخر من عيوب استراتيجيات التخفيف التي تعتمد على الاستخدام الواسع لتقنيات الانبعاثات السلبية لتعويض الاستخدام المستمر لمصادر طاقة الوقود الأحفوري الملوثة"، يقول أستاذ المناخ، مشددًا على أن الاختيار بين التعويض أو التخفيف له آثار مهمة على الأمراض والوفيات المرتبطة بتلوث الهواء.

ويضيف جويري: "تسلط الدراسة الضوء على التأثيرات الأوسع والمنافع المحلية المحتملة للتخفيضات الشديدة للانبعاثات، والتخلص التدريجي من البنية التحتية الملوثة".

أما الأستاذ بمعهد كارنيجي للعلوم، "كين كالديريا"، فيرى أن الدراسة أغفلت التركيز على تأثير ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن ملوثات الكربون على تقليص قدرة الإنسان على الإنتاج، إضافةً إلى إنتاجية المحاصيل الزراعية.

ويقترح في تصريحات لـ"للعلم" ضرورة التحول السريع وبشكل غير مسبوق، بعيدًا عن تقنيات الطاقة التي تسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة النووية. "وهذا يتطلب تغييرًا سريعًا في نظام الطاقة العالمي بكميات ومعدلات تغيُّر غير مسبوقة في تاريخ البشرية".