في كل فصل ربيع وخريف تعمد بعض البلدان الواقعة في مناطق جغرافية معينة إلى تغيير التوقيت المدني مقدمة إياه ساعة واحدة صيفا وتؤخره ساعة واحدة شتاء، بما يعرف بالتوقيت الصيفي والشتوي، وربما عرف أيضا "توفير الطاقة".
فقد نشأت الفكرة من قبل الفلكي البريطاني جورج هادسون سنة 1895، لكن التطبيق الأول لها كان من قبل ألمانياوالنمسا ربيع عام 1916. وبسبب كارثة الطاقة في السبعينيات من القرن الماضي، عمدت الكثير من الدول إلى اتباع هذا النهج في العمل بالتوقيت الصيفي. فهل من فائدة حقيقية للعمل به، وكيف يرتبط ذلك بجغرافيا الكرة الأرضية؟
تقسم الكرة الأرضية إلى دوائر أفقية موازية لدائرة الاستواء تعرف بدوائر العرض، وهي تسعون درجة شمالا وتسعون درجة جنوبا. وتبلغ المسافة بين درجتين متتاليتين على الكرة الأرضية 111 كيلومترا، وهي ناتج قسمة محيط الكرة الأرضية -البالغ 40 ألف كيلومتر- على 360 درجة هي مقدار الدائرة.
وقد سجل التاريخ أول تجربة تقوم بها بعثة علمية بتكليف من رأس الدولة آنذاك المأمون العباسي لقياس طول هذه الدرجة، ومن ثم قياس محيط الكرة الأرضية، وذلك قبل حوالي ألف سنة من اليوم، وأقيمت في صحراء سنجار شمال العراق. ثم أعاد التجربة العالم الشهير أبو الريحان البيروني، ولكن بطريقة هندسية بحتة، حين قاس ارتفاع جبل ومن ثم زاوية انخفاض الأفق البعيد بالنسبة لهذا الجبل.
وتقسم الكرة الأرضية طولي من القطب إلى القطب إلى خطوط طول عددها 180 خطا شرقا بالنسبة إلى خط غرينتش و180 خطا غربه، ليلتقي الاتجاهان في خط التوقيت الدولي المقابل لخط غرينتش من الناحية الأخرى للكرة الأرضية.
ويُعد خط التوقيت الدولي الحد الفاصل بين اليوم وأمس، فمن هناك يبدأ كل يوم جديد. وأول مناطق اليابسة التي تشرق عليها الشمس جزر فيجي في المحيط الهادي، وبسبب دوران الأرض حول نفسها من الغرب إلى الشرق فإن النهار ينتقل بالتدريج غربا فيقطع كل ساعة 15 درجة طولية، لتتم الدورة بعد 24 ساعة قاطعة 360 درجة، بما يعادل أربع دقائق زمنية لكل درجة تدورها الأرض حول نفسها.
ومن أغرب ما يمكن أن يقال في خط التوقيت الدولي والتطبيقات المرتبطة به ذلك اللغز الذي لا يمكن حله إلا هناك، وهو كيف يمكن أن يموت شخص يوم الجمعة ويدفن الخميس الذي قبله مباشرة؟
المناطق الزمنية
وقد اصطلح في علم الجغرافيا على ما يعرف بالمناطق الزمنية، والتي تقسم الكرة الأرضية إلى 24 قسما، الفترة الزمنية بين القسم والذي يليه ساعة زمنية واحدة، وتعادل 15 درجة. وبذلك أصبح العالم مقسما إلى شرائح طولية تبدأ من غرينتش شرقا وغربا.
فالمنطقة الزمنية للدول التي تنضوي في الـ 15 درجة الأولى هي الساعة الأولى، ثم الساعة الثانية للدول الواقعة بين خطوط 15 و30، والثالثة للدول بين 30 و45.. وهكذا.
فبلاد الشام تبعد ساعتين عن غرينتش شرقا، في حين أن قطر والسعودية والعراق واليمن تبعد ثلاث ساعات شرق غرينتش، وعُمان والإمارات أربع ساعات، وباكستان وأفغانستان خمس ساعات، وهكذا إلى أن نصل جزر فيجي والحدود الشمالية الشرقية لـ الاتحاد السوفياتي سابقا على بعد 12 ساعة من غرينتش. وجميع هذه المناطق تشرق عليها الشمس قبل غرينتش. والعكس صحيح إن اتجهنا غربا، فإن الوقت يتأخر عن غرينتش كما في شرق أميركا أربع ساعات غربا، وغرب أميركا ثماني ساعات غربا.
ويدعى هذا النظام توقيت غرينتش (GMT)، ومؤخرا اصطلح على تسميته التوقيت العالمي (UT)، ولهذا فلكي يتعرف الناس على فروق الأوقات بين بلدانهم وتلك التي يسافرون إليها فإنهم لا بد وأن يعرفوا توقيت الدولة التي سيذهبون إليها كي يقوموا بتعديل أوقات ساعاتهم لتوافق وقت وساعة البلد المقصود.
ولذلك فإن مواعيد الرحلات الجوية تكتب بتوقيت البلد الذي ستقلع منه الطائرة أو ستصل إليه، لذلك فإن البعض يظن أن مدة رحلة الطيران طويلة جدا حين يقارن بين وقت الإقلاع ووقت الوصول، لكنه لم يحسب فرق التوقيت بين البلدين. كما أن بعض البلدان اعتمدت أنصاف الساعات بدلا من الساعات الكاملة، وذلك لأنها تتوافق مع الوقت الطبيعي لمواعيد شروق الشمس وغروبها. ومن الأمثلة على هذه الدول إيران (4.5) والهند (5.5) وبورما (6.5) ووسط أستراليا (9.5) وغيرها.
التوقيت الصيفي
في المقابل، فإن بعض البلدان لا تقع عند مضاعفات أعداد الـ 15 من خطوط الطول، بل تقع بين الخطين. فبلاد الشام -على سبيل المثال- تقع بين خطي طول 32 و42 شرقا، وهذا يعني أن خط الطول المتوسط 37 درجة، وهو خط يقع بين 30 و45 درجة، أي بين ساعتين وثلاث ساعات من غرينتش، ويترتب على ذلك أن الشمس تشرق متأخرة شتاء وتغيب مبكرة جدا، في حين أنها تشرق مبكرة في الصيف وتغيب متأخرة. وهذا ربما يربك حركة الموظفين والطلاب بشكل أساسي، فلا تكاد الساعة تدق السادسة مساء شتاء إلا ووقت العشاء يؤذن، وهذا يعني أن الدوام المسائي لطلاب المدارس في فصل الشتاء ينتهي مع أو بعد غروب الشمس.
وقد انتبه المسؤولون في هذه الدول إلى أهمية هذه القضية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي (1974)، فقاموا باعتماد ما يعرف بالتوقيت الصيفي منذ ذلك الحين. وتقوم الفكرة على إضافة ساعة واحدة على التوقيت المعمول به خلال الربيع والصيف (أول أبريل/نيسان وحتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول) لمدة سبعة أشهر. فبدلا من أن تكون الساعة شتاء السادسة صباحا فإنها تصبح بحسب التوقيت الصيفي السابعة صباحا، لأن الشمس تكون قد أشرقت منذ وقت مبكر.
ويعمل هذا التوقيت على توفير جزء كبير من الطاقة المستهلكة ليلا، فبدلا من أن ينام الناس الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، فإنهم ينامون الساعة الحادية عشرة والتي أصبحت بحسب التوقيت الصيفي الثانية عشرة. وفي المقابل فإنهم بدلا من أن يستمروا في نومهم إلى أن ترتفع الشمس في السماء، فإنهم يستيقظون مبكرا فيستفيدوا من شروق الشمس المبكر وضوء النهار.
ولا يعمل بالتوقيت الصيفي في أي من بلدان الخليج نظرا لأنها تقع في نطاق الساعات الثلاث عن غرينتش عداعُمان والإمارات فإنهما تقعان في نطاق الأربع ساعات. وحديثا وفي بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أقر في السودان العودة للعمل بالتوقيت الشتوي بعد أن كانت ثبتت الدولة نطاقها الزمني ليوافق توقيت مكة المكرمة لأكثر من 15عاما.
وتبقى المعضلة في أن تغيير التوقيت من صيفي إلى شتوي -وبالعكس- يعمل على إرباك الكثير من الأعمال التي تلزمها توقيتات دولية ثابتة كمواعيد الطيران وبرمجيات حساب أوقات الصلاة، وكتابة الفواتير بين الشركات العالمية، وعمل بعض الأجهزة الطبية. وأهم من ذلك كله، تلك الساعة البيولوجية في جسم الإنسان التي ستضطرب في كل مرة يتغير فيها التوقيت من صيفي إلى شتوي، فيتعكر بها صفو النوم والاستيقاظ.